روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | محمد الفاتح...صاحب البشارة النبوية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > محمد الفاتح...صاحب البشارة النبوية


  محمد الفاتح...صاحب البشارة النبوية
     عدد مرات المشاهدة: 3935        عدد مرات الإرسال: 0

منذ عهد معاوية بن أبى سفيان قام الكثير بمحاولات فتح القسطينية ليكون صاحب البشارة النبوية التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش»، فمن هو صاحب تلك البشارة؟...إنه محمد الفاتح ابن السلطان العثماني مراد الثاني...

¤ طفولة محمد الفاتح...والإعداد الجيد:

ولد محمد ابن السلطان مراد الثاني في 27من رجب 835 ﻫ = 30 من مارس 1432م، ونشأ تحت رعاية أبيه السلطان مراد الثاني سابع سلاطين الدولة العثمانية الذي عمل على تعليمه وإعداده ليكون جديرًا بمنصب السلطان، والقيام بمسئوليته، فأتم محمد الفاتح حفظ القرآن، وقرأ الحديث النبوي، وتعلم الفقه الإسلامي.

ودرس محمد الفاتح الرياضيات والفلك وفنون الحرب والقتال، وإلى جانب ذلك تعلم اللغات العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، وخرج مع أبيه في معاركه وفتوحاته.

ثم ولاه أبوه إمارة صغيرة، ليتدرب على إدارة شئون الدولة تحت إشراف عدد من كبار علماء عصره، وهو ما أثر في تكوين شخصية الأمير الصغير، وبناء تفكيره بناءً إسلاميًّا صحيحًا.

وقد نجح الشيخ آق شمس الدين -وكان واحدًا ممن قام على تربية محمد الفاتح وتعليمه-  في بث روح الجهاد والتطلع إلى معالي الأمور في نفس الأمير الصغير، وأن يلمح له بأنه المقصود ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم.. وكان لهذا الإيحاء دور كبير في حياة محمد الفاتح فنشأ محبًّا للجهاد، عالي الهمة والطموح، واسع الثقافة، وعلى معرفة هائلة بفنون الحرب والقتال.

¤ توليه الحكم...والعمل على تحقيق البشارة:

وبعد وفاة أبيه السلطان مراد الثاني في 5 من المحرم 852 ﻫ = 7 من فبراير 145 م، تولى محمد الفاتح عرش الدولة العثمانية، وكان شابًّا فتيًّا في العشرين من عمره، ممتلأ حماسًا وطموحًا، يفكر في فتح مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية.. وسيطر هذا الحلم على مشاعر محمد الفاتح، فأصبح لا يتحدث إلا في أمر الفتح، ولا يأذن لأحد ممن يجلس معه أن يتحدث في موضوع غير هذا الموضوع.

وكانت الخطوة الأولى في تحقيق هذا الحلم هو السيطرة على مضيق البسفور حتى يمنع القسطنطينية من وصول أية مساعدات لها من أوروبا، فبنى قلعة كبيرة على الشاطئ الأوروبي من مضيق البسفور، وإشترك هو بنفسه مع كبار رجال الدولة في أعمال البناء، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى تم بناء القلعة التي عرفت بقلعة الروم، وفى مواجهتها على الضفة الأخرى من البسفور كانت تقف قلعة الأناضول، ولم يعد ممكنًا لأي سفينة أن تمر دون إذن من القوات العثمانية.

وفى أثناء ذلك نجح مهندس نابغة أن يصنع للسلطان محمد الفاتح عددًا من المدافع، من بينها مدفع ضخم عملاق لم يُرَ مثله من قبل، كان يزن 700 طن، وتزن القذيفة الواحدة 1500 كيلو جرام، وتسمع طلقاته من مسافات بعيدة، ويجره مائة ثور يساعدها مائة من الرجال الأشداء وأطلق على هذا المدفع العملاق اسم المدفع السلطاني.

¤ فتح القسطنطينية...وتحقق البشارة:

وبعد أن أتم السلطان محمد إستعداداته زحف بجيشه البالغ 265 ألف مقاتل من المشاة الفرسان ومعهم المدافع الضخمة حتى فرض حصاره حول القسطنطينية، وبدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها على أسوار المدينة الحصينة دون إنقطاع ليلاً أو نهارًا، وكان السلطان يفاجئ عدوه من وقت لآخر بخطة جديدة في فنون القتال حتى تحطمت أعصاب المدافعين عن المدينة وإنهارت قواهم.

وفى فجر يوم الثلاثاء الموافق من جمادى الأولى 827 ﻫ = 29 من مايو 1453 م، نجحت القوات العثمانية في إقتحام الأسوار، وزحزحة المدافعين عنها بعد أن عجزوا عن الثبات، وإضطروا للهرب والفرار، وفوجئ أهالي القسطنطينية بأعلام العثمانيين ترفرف على الأسوار، وبالجنود تتدفق إلى داخل المدينة كالسيل المتدفق.

وبعد أن أتمت القوت العثمانية فتح المدينة دخل السلطان محمد -الذي أطلق عليه من هذه اللحظة محمد الفاتح- على ظهر جواده في موكب عظيم وخلفه وزراؤه وقادة جيشه وسط هتافات الجنود التي تملأ المكان: ما شاء الله، ما شاء الله، يحيا سلطاننا، يحيا سلطاننا.

ومضى موكب السلطان حتى بلغ كنيسة آيا صوفيا حيث تجمع أهالي المدينة، وما إن علموا بوصول السلطان محمد الفاتح حتى خرُّوا ساجدين وراكعين، ترتفع أصواتهم بالبكاء والصراخ لا يعرفون مصيرهم وماذا سيفعل معهم السلطان محمد الفاتح.

ولما وصل السلطان نزل عن فرسه، وصلى ركعتين شكراً لله على توفيقه له بالفتح، ثم توجه إلى أهالي المدينة، وكانوا لا يزالون على هيئتهم وقال لهم: قفوا... إستقيموا.. فأنا السلطان محمد أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين إنكم منذ اليوم في أمان على حياتكم وحرياتكم...

ثم أمر السلطان محمد الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وأذن فيه بالصلاة لأول مرة، ولا يزال يعرف حتى الآن بجامع آيا صوفيا، وقرر اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم إسلام بول -آي دار الإسلام- ثم حرفت بعد ذلك واشتهرت بإستانبول.

وسلك السلطان مع أهالي المدينة سلوكًا به رحمة وتسامح يتسم مع ما يأمرنا به الإسلام، فأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم، وقام بنفسه بفداء عدد كبير من الأسرى من ماله الخاص، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار إلى منازلهم.

¤ ما بعد فتح القسطنطينية:

حقق محمد الفاتح هذا الإنجاز الكبير وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وكان هذا دليلاً على نبوغه العسكري المبكر، وإستحق بذلك بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفتح هذه المدينة العريقة.

وبعد هذا اتجه محمد الفاتح إلى إستكمال فتوحاته في بلاد البلقان، فتمكن من فتح بلاد الصرب والمورة ورومانيا وألبانيا وبلاد البوسنة والهرسك، ثم تطلعت أنظاره إلى أن يكون إمبراطورًا على روما وأن يجمع فخارًا جديدًا إلى جانب فتحه القسطنطينية.

ولكي يحقق هذا الأمل الكبير كان عليه أن يفتح إيطاليا، فإستعد لذلك وجهز أسطولاً عظيمًا، ونجح في إنزال قواته وأعداد كبيرة من مدافعه بالقرب من مدينة أوترانت الإيطالية، وتمكن من الإستيلاء على قلعتها، وذلك في جمادى الأولى 885 ﻫ = يوليو 1480م.

وعزم محمد الفاتح على أن يتخذ من مدينة أوترانت قاعدة يزحف منها شمالاً حتى يصل إلى روما، وفزع العالم الأوروبي من هذه المحاولة، وإنتظر سقوط مدينة روما العريقة في يد الفاتح، لكن الموت هاجمه فجأة وهو يستعد لتحقيق هذا الحلم في 4 من ربيع الأول 886 هـ = 3 من مايو 1481م، وإبتهجت أوروبا كلها بعد سماعها نبأ الوفاة، وأمر بابا روما أن تقام صلاة الشكر في الكنائس ابتهاجًا بهذا النبأ.

¤ محمد الفاتح...رجل دولة وراعى حضارة:

إتسعت رقعة الدولة العثمانية في عهد الفاتح إتساعًا كبيرًا لم تشهده من قبل بفضل قيادته الحكيمة وسياسته الرشيدة.. ولم يكن ذلك كل إنجازات الفاتح، فقد إستطاع بمساعدة بعض رجاله الأوفياء من وضع دستور للدولة مستمد من كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتزمت به الدولة العثمانية ما يقرب من أربعة قرون.

وإستطاع على الرغم من إنشغاله من إنشاء أكثر من 300 مسجد، منها في العاصمة إستانبول وحدها 192 مسجدًا وجامعًا، بالإضافة إلى 57 مدرسة، ومن أشهر آثاره المعمارية مسجد السلطان محمد، وجامع أبى أيوب الأنصاري، وقصر سراي طوب قبو.

واشتهر محمد الفاتح بأنه كان محبًّا للأدب، وكان شاعرًا مجيدًا يحب القراءة ويداوم عليها، ويصاحب العلماء والشعراء، ويولى بعضهم مناصب الوزارة، وكان إذا سمع بعالم كبير في فن من الفنون قدم له العون والمساعدة، أو يطلب منه أن يأتى إلى إستانبول للإستفادة من علمه.

¤ شخصية محمد الفاتح:

كان محمد الفاتح مسلمًا ملتزمًا بأحكام الشريعة الإسلامية، ورجلاً صالحًا بفضل نشأته التي أثرت فيه تأثيرًا عظيمًا، أما سلوكه العسكري فكان سلوكًا متحضرًا لم تشهده أوروبا في عصورها الوسطى.

وقد حقق الفاتح أعظم إنجازاته بفتح مدينة القسطنطينية العريقة بفضل طموحه القوى الذي زرعه فيه أساتذته، والإيحاء له بأنه البطل الذي ستفتح على يديه القسطنطينية.

وسعى الفاتح إلى تحقيق أحلامه بالسعي الجاد والعمل المستمر والتخطيط المنظم، فقبل أن يحاصر القسطنطينية إستعد لذلك بصب المدافع وإنشاء الأساطيل والإستفادة من كل الإمكانيات التي تساعده في النصر.

بالطموح العالي، والعزيمة والإصرار، والسعى إلى الهدف، نجح الفاتح في جعل الحلم حقيقة، والأمنية واقعًا، وأن يكون واحدًا من أبطال الإسلام والفاتحين الكبار.

المصدر: موقع إسلام ويب.